تجربة الجنس الأولى؟ كيف توصف تلك التجربة التي لطالما شهدناها مرارًا وتكرارًا على شاشات التلفاز بانين صرح من التوقعات؟ في عالمنا العربي كيف تبنى هذه التوقعات؟ من يبدأ بتكوين أول فكرة عن عالم الجنس في عقولنا وكيف تتم مصارحتنا بها كأطفال؟ لم يخبرنا عنها أم أو أب أو مؤسسة تعليمية لا في الصغر ولا الكبر. أتذكر تمامًا صدمتي في المرة الأولى عند سماعي عن كيفية الإنجاب وجواب السؤال الأبدي: من أي يأتي/يخرج الأطفال وكيف لذلك أن يحدث؟
كمعظم العوائل العربية ترعرعت في مجتمع يرفض إبراز العلاقات الحميمية أيا كان نوعها أمام البنات والأبناء مهما كانت سطحية، كأن في الحب وإبرازه شيء مخجل أو في إظهاره خدش للقواعد السلوكية.
أتذكر شعوري جيدًا. كنت في الخامسة من عمري، أختى التي تكبرني ببضع سنوات تجري نحوي لتخبرني أن المربية أخبرتها بسرّ خطير يصعب عليها إخفائه. كانت محو الصدفة أن تسألها إن سبق لها وأن سمعت عن عملية الإنجاب، مسترسلةً بسردها دون ترك أي تفاصيل فاضّة في تلك اللحظة براءتها وما حاول والديّ تأجيله أو حتى إخفائه إلى أجل غير مسمى.
كنت الشخص الوحيد الذي تثق به، لم تفكر بعمري آنذاك ولم تجرؤ بإخبار أحد آخر بما سمِعت. تمحورت صدمتي تلك اللحظة بالتفكير بأمي فقط، وبكل براءه أبيت أن أصدّق أن بإمكان أمي فعل ذلك وأعدت التأكيد لأختي أن أمي امرأة محترمة لا تكشف جسدها لأحد.
كبرنا أمام شاشات التلفاز وتحت مراقبة شخص بالغ يتم تذكيرنا قبل أي مشهد محتمل — حتى وإن كانت قبلة "حميدة" — بإغماض أعيننا لتجنب وسد أي فكرة عن الجنس وماهيته، وعن الجسد ووظائفه واحتياجاته.
خلسة، كانت تتسرب إلينا المعلومات التي كانت تغلبها الأفكار المغلوطة. تغير الزمن وأصبح الإنترنت على كل هاتف وحاسوب محمول، مخترقًا كل الأسوار التي لطالما حاول المجتمع والأهل بنائها.
—
المشهد الأول
يستلقي الرجل على الكنبة، الفتاة مستلقية بجانبه. يبدأ بمداعبتها متحسسًّا نقط ضعفها — التي لا يتجاوز الأفلام تقديم غيرها، كالرقبة والنهدين — يقبلها، يبدأ بنزع ملابسها قطعة تلو الأخرى.
المشهد الثاني والأخير
في غضون دقائق، نراهما مستلقيان تحت كومة من الأغطية يلهثان بسعادة مبدين أن تلك السعادة ماهي إلا نتيجة لزوال الرغبة والانتقال للجنس بكل سلاسة.
كيف تعكس هذه اللقطات تجاربنا الشخصية؟ هل تعمل كأداة مساعدة ومحتوى تعليمي لإرشادنا للمارسة "السليمة" ولاكتشاف أجسادنا؟ أم هي صدى اصطدام خيالنا المركّب المنسوج من الماضي بالواقع؟
سأتحدث هنا عن تجربتي الشخصية الأولى أو بالأحرى التجارب الأولى لي كامرأة عربية نشأت في مجتمع محافظ ينبذ أي أفكار تتعلق بالجنس أو حتى الرغبة به.
تجربتي الأولى كانت بعيدة كل البعد عن تلك التي شهدتها في الأفلام. فكل ما شهدته من لقطات لم تتحدث قط عن تجارب النساء اللاتي يعشن في دوامة الندم والذنب لاكتشافن أنهن — أيضًا — كائن جنسي. أن تجارب الجنس الأولى هي تجارب لكسر حواجز وإعادة تأهيل من نواحي نفسية، عاطفية وجسدية. أن في كل تجربة نحاول كسر تلك الأفكار، وإعادة الكسر عملية تتم مرارًا. أن تخطي حاجز الخوف لخوض التجربة لا يكفي لتفادي اصطدامنا بحواجز أخرى وطفح ترسبات رُسخت لسنوات في عقولنا.
سمعت الكثير عن الألم، عن عدم الراحة، عن الخجل، عن الأصوات — وكبتها — عن ذلك الشعور الجديد، عن النشوة، ولكنها تظل تجربة جديدة ليس لي مقاربتها من أي تجربة أخرى.
الألم الناتج عن الخوف والقلق؟ قد شعرت مسبقًا بالألم، فأنا أعرف شعور قرصة النحلة، وخزة الإبرة، شعور المغص.
عدم الراحة؟ الخجل؟ كأن أقف أمام الصف دون معرفة الإجابة؟
لم أتوقف عن البكاء تلك الليلة، ولم تحمل ذاكرتي أي مشهد يحكي عن تجربتي هذه. كل الاستعدادات التي سمعنا عنها كفتيات كانت موجّهة ومخصصة لإمتاع الرجل.
تأكدي من نعومة مهبلك ورائحته، من حلاقته لتجنب إثارة اشمئزاز شريكك
تأكدي من تعطير نهديك والإكثار من فرك جسدك وأن تظهري كطفلة خرجت للتو من فرج والدتها
لبّي طلباته فشريكك هو المتحكم الأول والأخير بمجرى العملية بأسرها. طلبك لشيء ما لمتعتك الشخصية قد يظهر أنك "خبيرة" مما سيثير شكه بك
لم أتوقف عن البكاء تلك الليلة.
كنت أظن أنني مستعدة، وأن ارتياحي النسبي لشريكي ومعرفتي به سيخفف من جهلي بالتحكم بجسدي والتصرف إذا اعتراني الشعور بالقلق. قلقي كان من نوع مختلف، فلم يظهر على وجهي أي منه، ولكن جسدي ببساطة كان يرفض أن يفضّ كإسفنجة امتصت أفكار منذ الطفولة ولم تعد تحتمل أي شيء آخر، وكوصف شريكي في محاولات مستمرة، أشعر أنني أصطدم بحاجز ليس باستطاعتي اختراقه.
لم أفقه تلك الليلة معنى ذلك أو أسبابه، هاجسي الوحيد كان بأن بي خلل جسدي. أن الحاجز الذي تحدث عنه شريكي في حاجة إلى تدخل جراحي. أين اللهث؟ أين السعادة؟ كنت مستعدة، كنت أرغب بالاكتشاف، ظننت أن فضولي ورغبتي بالاستمتاع وبلل مهبلي هو كل ما كنت بحاجة إليه. لم أعي أن لجسدي ذاكرة، وأن ليس من السهولة التغلب على أفكار غرسها المجتمع، حتى مع وجود الرغبة، وأن هذه الأفكار تظهر بصور مختلفة، بصورة لم نستعد لها قط. أن الفكرة وإن كانت غير ملموسة يمكن لها التجسد بشكل آخر، وبشكل حسّي وحقيقي.
كررنا المحاولة مرّات عدة، والنتيجة واحدة. كنت على قناعة أنني الوحيدة التي تواجه تلك المشكلة وبعد تفكير طويل قررت البحث والاستطلاع.
قرأت الكثير عن معاناة العديد من النساء. نساء استمرن في علاقات لسنوات وقد واجهن نفس المعضلة التي تم وصفها بالطريقة نفسها: الاصطدام بحاجز. ما هو يا يترى ذلك الحاجز؟ التعريف العلمي له هو التشنج المهبلي. من كان يظن أن ذلك العضو يحتمل كل هذا الكم من التوتر؟
نحلم كنساء، وكنساء عربيات خاصة التحرر من أصفاد المجتمع. نحاول التخلص من ذلك بشتى الطرق. معاناة كره الذات، إنكار الذات، تقبل الجسد كما هو، محاولات التواصل مع كتلة من الأعضاء التي نحملها معنا أين ما ذهبنا، نافين أن للتحرر مراحل، أن لكل جسد حاجة ومنهج مختلف. أن العقل والجسد ليسا شيئين منفصلين. ننفي أن في إشارات الجسد معاني من الواجب علينا إقرارها. أن العالم الآخر ينمو على حب الذات وإشباع رغباته، أما نحن فعلى العكس، نكبر على الكبت والكتمان.
أن عدم القدرة على مقاربة ممارسة الجنس في الواقع من مشاهد أفلام هوليوود والأفلام الإباحية لا يعني الفشل والخجل.
الجسد في حاجة مستمرة للتواصل مع العقل، والعكس كذلك. تحرر كلن على حدى لا يشفي كدمات وحيرة مراحل الطفولة والمراهقة. في مشاركة تلك الهموم مع غيرنا من النساء والبوح حتى بما نظن أنها تجارب فردية، سد للكثير من فجوات إدراك النفس والمعرفة.
لمعرفة المزيد عن تشنج المهبل
الاضطراب الجنسي: تشنج المهبل — كلّما
لمشاركة تجاربك الجنسية يمكنك الكتابة بسرية في المساحة أدناه